السيدة فاطمة الزهراء
رضى اللة عنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأمر من الله تعالى أعدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام) إعداداً خاصاً من أجل أن تنهض بدورها الرسالي العظيم، ليبدأ بها وبعلي خطّ الإمامة المبارك، وبناءً على إعداد رسول الله (صلى الله عليه وآله) للزهراء (عليها السلام) وإشرافه على توجيهها وفقاً لما تقتضيه إرادة الله تعالى صارت فاطمة (عليها السلام) في مبادئها وأخلاقها كما لو كانت رسالة الله تمشي على الأرض، فهي تجسيد حي وعملي لكلّ ما يريده الله تعالى، ومن أجل ذلك احتلّت أرفع موقع في دنيا النساء من لدن حواء حتى قيام الساعة فهي سيدة لسناء العالمين على الإطلاق، والله يرضى لرضاها ويسخط لسخطها، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حرب لمن حاربها وسلم لمن سالمها، وهي المطهّرة من كلّ رجس، ومن هنا فإن الصديقة (عليها السلام) تطرح نفسها قدوة للأمة المسلمة بكلّ جيالها وامتدادها كما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) والهداة الميامين من أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن الصديقة المباركة أولى أن تكون القدوة إلى جانب أهل البيت (عليهم السلام) للقطاع النسائي في الأمة الإسلامية. فكل امرأة تريد أن تسلك درب الهداية والاستقامة والفضل في الدنيا والسعادة في الآخرة تجد الزهراء (عليها السلام) أعظم قدوة لأجيال النساء، أمهات وبنات وزوجات. وبمقدور كلّ امرأة أن تتعلّم من الزهراء (عليها السلام) دروساً في مكارم الأخلاق والفضيلة لا ينضب لها معين أبداً.
•• انقطاع إلى الله
ففي علاقتها مع الله تعالى ضربت الزهراء (عليها السلام) أروع الأمثلة في العبادة والتوجّه والانشداد إليه تعالى: عن الحسن السبط (عليه السلام) قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة وساجدة حتى اتّضح عمود الفجر، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيمهم بأسمائهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثمّ الدار. وعن الحسن البصري قال: ما كانت امرأة في هذه الأمة أعبد من فاطمة (عليها السلام) كانت تقوم حتى تتورّم قدماها. وحيث تبلغ الصديقة (عليها السلام) ذلك المستوى الرفيع حتى التعلّق بالله تعالى والانشداد إليه، فما أحرى بالفتاة المسلمة أن تسلك درب الزهراء (عليها السلام)، وتتعلم منها درساً بليغاً في العبادة والتقرّب إلى الله، ونبذ كلّ ما يوحيه الهوى والشيطان.
•• عفّة وسمو
وبقدر ما كانت الطاهرة الزهراء (عليها السلام) تحتل القمّة في علاقتها بالله تعالى كانت كذلك في سمو أخلاقها، وحسبنا في فضل الزهراء (عليها السلام) أنها المطهرة من الرجس النقية من الدنس كلّه. وإذا كانت كتب السيرة لا تذكر من سيرة الزهراء (عليها السلام) الحافلة بالمفاخر إلا اليسير فإنّ ذلك اليسير كفيل بإعطائنا صورة عن البعد الشاهق الذي بلغته فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مضمار الأخلاق، كيف لا وقد أشرف على إعدادها صاحب الخلق العظيم، والمتمّم لمكارم الأخلاق محمد (ص)، وهذه بعض الملامح من أخلاقها الكريمة: عن عائشة تقول: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله (صلى الله عليه وآله) في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها.
ولقد كانت الصديقة (عليها السلام) حريصة على نشر مبادئها في السمو المتناهي والعفة الرفيعة فهي تتمنّى للمرأة مثلاً ألاّ ترى الرجل المحرم ولا الرجل المحرم يراها، وقد جاءت أمنيتها تلك من خلال إجابتها على سؤال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الصّدد، ومن هنا فإنّ من الجدير بالفتاة المسلمة أن تقتفي أثر الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين في الحرص على التزام الأخلاق الإسلامية الفاضلة في تعاملها في البيت مع والديها وإخوانها وزوجها وأولادها، وأن تكون حريصة على ترجمة إيمانيها بالمبادئ الإسلامية إلى حركة وواقع، فإنّ المرأة التي تحبّ الزهراء (عليها السلام) ينبغي أن ترفض كلّ سلوك وعمل ينافي الأخلاق التي التزمتها الزهراء (عليها السلام) ودعت إليها عبر عمرها الشريف، ولعل ما ينبغي أن تحافظ عليه مسلمة اليوم هو العفّة والشرف، ونبذ كلّ محرم وسلوك يخالف شريعة الله كإظهار المفاتن أمام الرجال في الشوارع وغيرها.
•• جهاد في سبيل الله
ولقد واكبت الصديقة (عليها السلام) رسالة الله تعالى منذ صغرها كلّ وسعها من أجل رفع راية الحق وإظهار دين الله ولو كره المشركون، وهذه نبذة من مواقفها المشهودة في حمل الرسالة والذود عنها، كانت تواكب تطوّرات الموقف الصعيب الذي فرضه المشركون على الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة في مكة المكرّمة، وتتحمّل ما تستطيع النُّهوض به من المسؤولية، فعن عبد الله بن مسعود قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا بني فلان فيأخذ فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلمّا سجد النبي (صلى الله عليه وآله) وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض… حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة (عليها السلام) فجاءت وهي جويرية طفلة صغيرة فطرحته عنه، ثمّ أقبلت عليهم - على المشركين - تلومهم، فلمّا قضى النبي (صلى الله عليه وآله) رفع صوته، ثمّ دعا عليهم...
وكانت الزهراء (عليها السلام) تضمد جراح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة أحد، فكانت تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسكب عليها بالمجن، فلمّا رأت فاطمة (عليها السلام) أن الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرة أخذت قطعة حصير فحرقته حتى صار رماداً ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم. هذا ومن الجدير بالذكر هنا أن الزهراء (عليها السلام) قد عاشت الحصار مع بني هاشم في شِعب أبي طالب، وقاست معهم آلامه ومضايقاته، وهي يومئذ في سن مبكرة كما أنها (عليها السلام) قد تحمّلت مرارة الهجرة بعد هجرة أبيها إلى المدينة المنورة حيث صحبت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في هجرته إلى المدينة. وهكذا فالمرأة المسلمة مدعوّة للاقتداء بالزهراء (عليها السلام) في الذّود عن الرسالة، والدفاع عن مبادئها، التبشير بها في إطار البيت أو المدرسة والمجتمع، ففي حياة الصديقة (عليها السلام) غنى وخصوبة في مضمار الجهاد في سبيل الله وحمل مسؤولية الدعوة إلى دينه الأقوم فلتتعلم الفتاة المسلمة مبادئ دينها بالقراءة وحضور الدروس الدينية، ودراسة سيرة الأبرار الهداة (عليهم السلام)، وإرشاد الفتيات الضّالات، وتعليم الجاهلات كلٌ في مجاله وحدود إمكانياته...
•• في الحياة الزوجية
ومن أجل أن تأخذ الفتاة المسلمة من فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة لها ومثلاً أعلى في حياتها الزوجية، فإنه ينبغي أن نذكر أمثلة من حياة الزهراء (عليها السلام) في هذا الميدان بقدر ما تسمح محاولتنا هذه في الحديث عنها وبشكل موجز: كان المهر الذي دفعه الإمام علي (عليه السلام) للزهراء (عليها السلام) قليلاً جداً (480 درهم) وهي سيدة نساء العالمين، والمطهرة من الرجس، وبضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) مما يعطي الفتاة المسلمة والآباء في يومنا هذا درساً بليغاً بوجوب الكفّ عن المغالاة بالمهور، فالمؤمنة لا تقدر بثمن مادي، والمرأة لا تشترى ولا تباع، وإن المغالات في المهور يحول المرأة إلى سلعة تُباع وتشترى، فالمسألة في نظر الإسلام هي حصول الزوج الكفء الذي تتوفر فيه شروط الإسلام من إيمان وخلق مستقيم، وقدرة على الإنفاق على الزوجة، فالعبرة في الزواج هي بناء حياة أسرية مؤطرة بالحبّ والإيمان والوفاء بعيدة عن المشاكل وسوء التصرف، وغلاء المهور لا يحقق الشروط التي هي حقيقة السعادة في الدنيا... وحين زُفّت الزهراء (عليها السلام) إلى بيت علي (عليه السلام) كانت مراسم الزواج عبادة خالصة لله تعالى فتهليل وتكبير وثناء على الله تعالى ورسوله ودينه الحنيف من خلال قصائد ورجز قالته أمهات المؤمنين في حفل الزفاف.
وهذا المقطع من سيرة الصديقة المباركة يدعونا أن نلغي الأساليب المحرمة التي ألفها الناس في مناسبات الزواج من غناء ورقص واختلاط الرجال بالنساء، وصخب غير محتشم، وتجميع لدعاة الفسق في محافل تسخط الله تعالى.
وعلاقة الزهراء (عليها السلام) بزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت علاقة فريدة رائعة يتبادلان الإجلال والحبّ والوفاء بكلّ ما تحمل هذه الكلمات من معاني إنسانية نبيلة، ويستطيع القارئ الكريم أن يطلع على صور من تلك العلاقة الفريدة من خلال قراءته للسيرة المباركة، فمن مصاديق تلك العلاقة الفريدة المؤطرة بالحبّ والوفاء والرحمة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام) قد قسما العمل بينهما، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز.
واقتداءً بالزهراء وعلي (عليهما السلام) ينبغي لشبابنا الفتيان والفتيات أن يقتدوا بهما في ميدان العلاقة الزوجية، فيعملوا على إقامتها على أساس الحبّ الصحيح، واحترام الآراء وإشاعة جوٍ من التعاون والتلاحم لتشيع السعادة في الأسرة المسلمة